الاثنين، 29 نوفمبر 2010

لم يخبرنا أحد بشيئ

::

لم يخبرنا أحد بشيئ، فاخترعنا لنا قصة ....

منذ أن برزنا من بُركة البكتيريا وتشكلت هيئاتنا، أو ربما هي بُركة الطين منها تكونت أجسادنا، ونُفخت فيها بعد ذلك أرواحنا. لايهم أي واحدة منهما. إذ بعد أن وقفنا على أرجلنا، وراقبنا الشعر يتساقط من جلودنا، وشعرنا بأمخاخنا تتضخم في رؤوسنا، وسمعنا ألسنتنا تتلفظ بأفكارنا، وانتبه الإدراك إلى مايجول حولنا ....

لم يخبرنا أحد عن أسباب وجودنا.

منذ أن شعرنا بالجوع يلوي أمعائنا، ورأينا الأرض تمتلأ بأطعمتنا، التي كانت تهرب كلما حسّت بنا، أو تستدير نحونا وتشرع في قتلنا ....

لم يخبرنا أحد لماذا نعاني لإشباع جوعنا.

ومنذ أن شعرنا بالحاجة إلى الإلتصاق ببعضنا، لتخرج من البطون مخلوقات مثلنا، تصرخ طالبة حصة من قوتنا، الذي لايسد ولايكتفي منه أحدنا ....

لم يخبرنا أحد عن أسباب صعابنا.

ومنذ أن داهم الموت أحياناً صغارنا، وأحياناً أمهاتهن أو أحد آخر حولنا، عرفنا أننا نحن أيضاً سوف نذهب يوماً كما ذهب الكل قبلنا ....

لم يخبرنا أحد بشيئ عن وضعنا.

فحدث في ليلة ما، ربما حول نار متوقدة تدفئنا، أو في أغوار كهف يأمنا، بعدما سكن شيئ من روعنا، واعتدنا على صيد طعامنا، أننا جلسنا نتسامر كلنا، ليسلي بعضنا لبعضنا، فانفتحت قريحة أحد شيوخنا ... ليسلينا بقصة تجيب على تساؤلاتنا.

ثم تطورت تلك القصة ....

فأصبحت رسومات بهائم على جدران كهوفنا، ثم تجسدت في أحجار لتبجيل نجومنا، وأصنام بعد ذلك لتهدئة خوفنا وتحقيق أحلامنا، وشفاء أمراضنا، وإحياء أمواتنا، وضمان خلودنا.

ولكننا لم نكتب القصة من بدايتها لأننا لم نعرف آنذاك الكتابة، فضلّت عائمة في فضاء الخيال، تنتقل بين شفاه الرواة من جيل إلى آخر، وكلما وصلت إلى جيل جديد كلما أضيف إليها أو أنتقص منها حتى زيّنها الوقت وحلاّها الزمن لتصبح لقمة سائغة سهلة البلع، فقبلناها وبلعناها ... كحقيقة لايعتريها الشك، وآمنا بمحتواها الذي خلقناه في البداية للتسلية.

وياله من شعور رائع حين آمنا بها ...

شعور رائع أن نؤمن بأننا لسنا ذرات تافهة، تائهة في غياهب الكون ... وحتى لو نبدوا كذلك.
وشعور رائع أن نؤمن بأن وجودنا لم يكن نتاج صدفة متناهية الصغر ... وحتى لو يبدو كذلك.
وشعور رائع أن نؤمن بأن موتنا ليس فناء وعدم ... وحتى لو تبدو النهاية كذلك.

وكذلك زرعت فينا القصة التي اخترعناها ثم صدقناها شعور الطمئنينة والأمان والهوية والإنتماء، وكان الثمن الخضوع لإحكامها. وبالرغم من أن أغلبنا لم يرغب في الخضوع لها ولأحكامها، بل كل ماأرادوه هو طعام يشبعهم وسقف يظللهم ... وربما عناق يؤنسهم، إنما الخضوع كان الثمن، فدفعناه على مضض ....

وأستمرت القصة وتشعبت، وأصبح لكل قوم منا نسخة منها، مماثلة في الفحوى ومختلفة في المعنى. وعندما صادفنا يوماً قوماً غيرنا، ورأينا أن نسختهم تختلف عن نسختنا، وآلهتم ليست هي آلهتنا، إزدادت مشاكلهم وتفاقمت مشاكلنا ....

لأن ذلك أثار شيوخنا، وهم أعلم بالقصة منا، وأكثر دراية بما يضرنا وما ينفعنا، فتبجيلاً لهم علينا أن نفعل كما أُمرنا: أن نُثبت لهؤلاء القوم بأن آلهتنا أفضل من آلهتهم، وأحكامنا أعدل من أحكامهم، وأن علينا أن نفرضها عليهم، وننشرها بينهم، حتى لو كان بسلبهم وسبيهم وقتلهم ....

وياللمصيبة، فهذا مافعلناه بهم.

وترسخت وتقدست واستقرت القصة على هذا المنوال، لتؤمن بها الأجيال، وأحوالنا تتردى بها من حال إلى حال.
كيف خلق الإنسان؟ كيف خلق البشر؟ هل تطور الإنسان أم خلقه الله؟ هل تطور الإنسان من قرد؟ هل قصة الخلق حقيقية؟ هل القرد أصل الإنسان؟ كيف تطور الإنسان من قرد؟ كيف تطور الإنسان؟ هل يوجد دليل على تطور الإنسان؟ ماهي أدلة تطور الإنسان من قرد؟ هل ينحدر الإنسان من قرد؟ هل ينحدر البشر من قرد؟ هل ينحدر البشر من قرود أم من آدم؟ هل كان آدم قرد؟ هل البشر قرود؟ هل الإنسان قرد؟ هل صحيح أن الإنسان أصله قرد؟ هل صحيح أن أصل الإنسان قرد؟مبني على مقالة لـ  كريستينا باترسون

الخميس، 25 نوفمبر 2010

يحليله هالخنزير

::

ماريـأكم بالخنزير "الصغنونو" المبتسم في يسار الصورة أعلاه؟ أليس شكله لطيف؟

أنا شخصياً أرى أن شكله "المتبتب" مع أنفه المفلطح الذي يشبه طرف الخيارة المقصوصة ظريف للغاية. وأعتذر إن كنت قد تسببت في إمتناع أحد عن أكل الخيار بعد هذا الوصف إذ أني أعرف أن الكثير منكم لن يشاركني هذا الشعور بسب تجذر الكره الذي يزرعه التراث الإسلامي واليهودي في نفوس الناس تجاه هذا المخلوق البريئ والذكي أيضاً في الحقيقة والذي بدوره لم يؤذي أحد ولم يطلب من الله خلقه حتى يًذم ويكرهه البشر.

هذه الكراهية التي ليس لها أي مبرر خارج دائرة التراث الديني تصل عند بعض الناس إلى درجات مرتفعة من العته المبارك، فتراهم في نفورهم من هذا الحيوان الوديع يزيحون فيها بدوغمائية عمياء فتات ماتبقى من منطق في عقولهم ليقفوا بشموخ هبلي أكثر مما هو هزلي على مسرح السخرية ليقدموا عروضاً تهريجية على تعصبهم المخبول ضد الخنزير يُشبع الناس ضحكاً عليهم.

طيب، كون الخنزير حيوان يُحرم أكله بسبب الأمراض التي يحملها أو العادات التي يمارسها من أكل الأوساخ إلى عدم غيرته على أنثاه (ولاأدري إن كانت الأخيرة حقيقة أم نكتة، فبعض التبريرات الدينية من الصعب تمييز جديتها من سخريتها من عبطها) فهذه قبلناها (لأجل المسايرة فقط وليست عن قناعة لسبب بسيط وهو أنها، أي تلك التبريرات لاتغدو عن كونها ... خرابيط)، ولكن ماذا عن الخنزير البلاستيكي الصناعي إذا تواجد ضمن لعب الأطفال مثلما ترونه في الصورة؟

ماذا لو عثر أحد الملتزمين دينياً على نموذج بلاستيكي صناعي لهذا الحيوان في لعبة إشتراها لأطفاله؟  ماذا يتحتم عليه عمله؟  يتعوذ من الشيطان على هذه السقطة؟  يصلي ركعتين إستغفاراً؟ ... ماذا يعمل؟

سؤال يبدو عند البعض أنه مصيري!

إنما أصحاب العقول الواعية الناضجة الذين تخترق رؤيتهم ضباب الدوغمائية، وإن نفروا من هذا الحيوان، سوف يتجاهلون هذه الكتلة البلاستيكية ويتركونها للأطفال لتلعب بها، أو ربما يرميها بعضهم في القمامة وينتهي الأمر. ولكن أصحاب العقول المطبوخة بنيران المغالاة والتعصب، وهناك فرق شاسع بين العقل الناضج والمطبوخ، فلن يكتفوا بتجاهله أو رميه بل سوف تدفعهم كراهيتهم لهذا المخلوق "الذميم"، وحتى لو كان على هيئة كتلة صغيرة ملونة من البلاستيك، إلى الشعور بإهانة تصل إلى الشكاوي ... على ماذا؟

على إضافة تلك القطعة البلاستيكية في لعب الأطفال التي توزع وتباع في جميع أنحاء العالم، وكأنما شعورهم هم فقط هو الغالب وهو المهم وشعور باقي البشر الذين لايعانون من ذلك القصور الحاد في النظر لايهم. فقد وصلت فيهم الصفاقة إلى التحكم حتى في إرادة ورغبة الغير.
::
تصرف غريب؟
إليكم الأغرب ... والأخبل:

فقد إستجابت الشركة الموزعة للعبة التي أحتوت على الخنزير ... البلاستيكي... لهذه الشكاوي وأزالته من اللعبة!!! .... لفترة، مظهرة في ذلك القرار بلاهة مشتركة مع المشتكين. ولكنها أعادته الآن إلى تلك اللعبة البريئة بعدما أدرك المسؤولون في الشركة درجة حماقة ذلك القرار.

إنما ... تلك الشركة نجحت في تخفيض درجة حماقتها فقط إذ يبدو أن البلاهة لاتزال تعشعش في رؤوس مسؤوليها، لأن قرار إزالة الخنزير البلاستيكي لايزال ساري المفعول على جميع اللعب التي تباع في الدول التي يحرم دينها أكل لحوم هذا الحيوان، وذلك مراعاة منهم بعدم جرح الإحساسات الدينية لمواطني تلك الدول بهذه القطع البلاستيكية.

والحقيقة المضحكة في فلسفة كره الخنزير، أن هذا الحيوان "الذميم" "النجس"، والذي لايبالي بالشرع ولا بتنجيساته أوتقديساته، لايمثل فصيلة قائمة بذاتها حتى يمكن حجره بايولوجياً عن باقي الفصائل الحيوانية، بل هو أحد أعضاء فصيلة ذوات الظلف آرتيوداكتيلا الطيبة اللحم واللبن والتي تشمل الماعز والخراف والأبقار و ..... مستعدين للمفاجأة؟

أيضاً أبرك الحيوانات وأقربها إلى القلب في التراث الديني .... الجمل.    
لماذا الخنزير مكروه؟ لماذا الخنزير مذموم؟ لماذا لانأكل لحم الخنزير؟ ماهي أضرار لحم الخنزير؟ ماهي أمراض لحم الخنزير؟ ماهي الأمراض الناتجة عن أكل لحم الخنزير؟ ماهي الأضرار الناتجة عن أكل لحم الخنزير؟  هل يجوز شراء لعبة الخنزير؟ ماحكم لعبة الخنزير؟ هل تحب لحم الخنزير؟ هل تحب أكل الخنزير؟ هل لحم الخنزير لذيذ؟ كيف تطبخ لحم الخنزير؟ ماهو أفضل أطباق الخنزير؟

الاثنين، 22 نوفمبر 2010

الإسلام الحقيقي؟

::
تخونني العبارات في الحقيقة للتعبير عما يجول في ذهني تجاه نظرة السيد أحمد القبانجي للدين الإسلامي التي تختلف جذرياً عن الرؤية التقليدية التي يعرفها أغلبنا.

إذ لو كان الإسلام الحقيقي هو مايحاول السيد القبانجي تقديمه لما تلفظ أحد بكلمة واحدة ضده. والمشجع في آراء السيد هو أنه يستمد أدلته التي تسند موقفه من نفس التراث الإسلامي الذي تستند إليه القاعدة ومنظمات العنف الأخرى في تشكيل إديولوجيتها وممارسة نشاطاتها الإرهابية. فإن كان من الممكن إستمداد هذه المفاهيم السلمية المتحضرة من ذات النصوص، فلماذا لاتكون رؤية السيد القبانجي هي الصحيحة والرؤية التقليدية التي نشأت عليها الغالبية العظمى منا هي الخاطئة؟

هذه محاضرة ألقاها السيد أحمد القبانجي خلال شهر رمضان الماضي في مجلس الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في الإمارات تشرح رؤيته، حضرها جمع كبير من الشيوخ والشخصيات الهامة في الدولة. ولاأدري إن كان المدعوون مهيئون نفسياُ للصدمات الفكرية/العقائدية المتتالية التي وجهها لهم السيد بكل جرأة من خلال طرحه الذي يجنح إلى كفر واضح لاشك في نظر الكثير من المسلمين الأصوليين.

أقدم لكم الجزء الأول من الندوة، وباقي الأجزاء تجدونها في وصلات أسفل الفيديو كليب (الصوت يأتي بعد دقيقتين من العرض):




هل السيد أحمد القبانجي ملحد؟ هل السيد أحمد القبانجي مسلم؟ هل السيد أحمد القبانجي يصلي؟ هل السيد أحند القبانجي مرتد؟ هل رأي السيد أحمد القبانجي صحيح؟ هل آراء السيد أحمد القبانجي صحيحة؟ من هو أحمد القبانجي؟ هل السيد أحمد القبانجي كافر؟  

الجمعة، 19 نوفمبر 2010

دفاع النملة عن المارد إهانة

::

حكى لي أحد الأصدقاء مرة كيف تعرض لموقف محرج مع ولده الصغير الذي لم يتعدى آنذاك الثامنة من عمره. يقول صديقي:

كان إبني حاضراً معي في مجلس لبعض الأهل والمعارف (ديوانية في المصطلح الخليجي) عندما نشب شجار حاد بيني وبين أحد الحضور شتمني فيه. فسكتّ ترفعاً منّي عن الدخول في مباراة بينج بونج للسباب بيني وبينه تنهدر فيها الكرامات وقد تتصاعد إلى ماهو أسوء. ولكني صعقت عندما نهض إبني الصغير الجالس بجانبي إثر سماعه لشتمي، ولعبة سيارة المطافي الحمراء التي كان للتو يلعب بها على السجادة لاتزال بيده، ليرد على خصمي بنفس شتيمته لي، ويكيل له الصاع صاعين بوابل إضافي من السباب وسط ذهول وضحك الحاضرين.

يضيف صديقي قائلاً:

لوهلة قصيرة، لم أعرف ماذا أفعل، فلم أتوقع من ولدي الصغير أن يفز للدفاع عني من إهانات الغير لي، وشعرت بإحراج شديد في ذلك الموقف لأني أظهرت للحاضرين، ولولدي بالخصوص، بذلك السكوت عجزاً غير مقصود للدفاع عن نفسي. فتداركت الوضع المحرج ونهرت إبني على قلة أدبه وتدخله في شؤون الكبار وأوضحت له أنني لم أحتاج إلى دفاعه عني، وأضطررت إلى الإعتذار بعدها ليس للحاضرين فقط إنما ماهو أسوء إلى خصمي البغيض الذي بدأ في شتيمتي.

دعوني أترك هذه القصة الآن لأضيف بعداً آخر للحوار، وسوف تدركون مغزاها عند قرائتكم لباقي الموضوع.

نشر موقع السي أن أن  قبل بضعة أيام خبر إصدار حكم قضائي في باكستان بإعدام إمرأة مسيحية بتهمة الإساءة إلى الذات الإلهية والنبي محمد بقولها لبعض النسوة المسلمات حسب ماورد في وثائق المحكمة أن:

"القرآن مزور، ورسولكم محمد مكث في فراش الموت لمدة شهر قبل وفاته، لأن الديدان كانت تملأ أذنيه وفمه، وقد تزوج من خديجة فقط بسبب مالها، وأنه بعدما تمكن من نهبها طردها خارج المنزل".

هناك عدة تساؤلات تمر بذهني عند مصادفتي لمثل هذه الأخبار، أهمها هو هذا:

في الكثير من الأحكام الجزائية في الدول الإسلامية، هناك بنود تعاقب، وتعاقب بقسوة شديدة تصل إلى الإعدام كما رأينا في قضية المرأة الباكستانية، على مايسمى بـ "جريمة التجديف"، أي الإساءة اللفظية إلى المقدسات، وبالخصوص الذات الإلهية أو الرسول. والسؤال هو:

مالذي يتخوف منه المشرع المتدين (وأقول المتدين وليس المسلم حصراً لأن عقوبة التجديف(1) لاتزال تطبق في بعض المجتمعات المسيحية أيضاً، بولندا كمثال) حين يشرع قوانين وحشية كهذه؟ هل هو الخوف من تفشي الفساد في المجتمع مثلاً؟ فإن كان هذا هو السبب فهو سبب واهي وساقط، لأن هناك مجتمعات أخرى لاتحترم المقدسات، أياً كانت، ولاتهتم بحرمتها ومع هذا فهي مجتمعات ناجحة، كما رأينا في نموذج الدنمارك وغيرها الكثير من الدول اللادينية الأخرى، إذ أن مستوى الفساد فيها أقل بكثير مما هو سائد في المجتمعات المؤمنة التي تطبق تلك العقوبات.

أما إن كان التشريع نابع عن تخوف من تزعزع إيمان المؤمن وإنجرافه عن دينه وبالتالي إنحداره إلى الزندقة والإلحاد إذا تم التقاضي عن الإستخفاف بمكونات عقيدته من كتب وأنبياء وملائكة وقداستها، فهذا يثير تساؤل: 

بصرف النظر عن أن الإلحاد بحد ذاته هو أحد الحريات التي كفلتها جميع مواثيق حقوق الإنسان فيما يخص إختيار الفرد للعقيدة، أو عدمها، وبصرف النظر أيضاً عن أنه ليس بعلة يُحتج بها لترويع الناس من أن تفشيها في المجتمع يؤدي إلى إنحلاله، لأن هذا الزعم نقضه الرخاء والإزدهار الذي تنعم فيه المجتمعات العلمانية الملحدة، إنما السؤال هو:

هل العقيدة الدينية بهذا الضعف والهشاشة التي تستلزم الحماية بهذه القوانين القمعية؟
هل هي من الهزل والرقة بحيث أن مجرد إدعاء أن القرآن كتاب مزيف مثلاً سوف يزعزع إيمان أفراد المجتمع بتلك العقيدة ويسبب تداعيها في أنفسهم بالرغم من أنهم تجرعوها مع حليب أمهاتهم ونشؤوا عليها وتجذرت في عقولهم؟
ألهذا السبب مثل هذا الإدعاء يمثل خطراً حقيقياً على هذه العقيدة يستحق معه القتل؟

في الحقيقة لاأرى تبرير آخر مقنع لمثل هذه العقوبات الوحشية القاسية في حق من أبدى رأياً مغايراً للمعتقد السائد، كقدسية القرآن، غير أن المشرع لهذه القوانين ومن يؤيده يعتقد فعلاً، ولو باطنياً، بأن العقيدة التي يستهدف القانون حفظها هي في الحقيقة في مستوى من الهشاشة التي تتطلب فرض عقوبات تصل إلى قتل كل من يطعن فيها. إذ لو كان المشرع يؤمن أيماناً تاماً بصلابة معتقده لما كان هناك أي تخوف من أي نقد لها، مهما كان شديداً، فهي سوف تصمد أمامه، أليس كذلك؟

أليست مدعمة بالحجة الإلهية الدامغة والسند الرباني؟ إذاً لماذا التخوف من نقدها وتشريع العقوبات الصارمة لمن يجرأ على ذلك؟

وفي حادثة آخرى مشابهة، قبضت سلطات الأمن الفلسطينة بالتعاون مع قوات المخابرات والنيابة العسكرية على شاب في الضفة الغربية بتهمة الإساءة أيضاً إلى الذات الإلهية بعد مراقبة له دامت عدة أسابيع. إذ ظهر أن هذا المتهم كان ينشر مقالات تجديفية مسيئة لله وللرسول في مدوناته العربية والإنجليزية وعلى صفحته في الفيسبوك. وقد يكون الدافع الأول الذي حث السلطات الفلسطينية في النيل منه بشتى الوسائل المتاحة هو زعمه بأنه الله!

حيث أن السلطات الفلسطينية لم تكتفي بقوات الأمن فقط في تعقب الشاب المدعي الألوهية ومراقبته والقبض عليه، بل كثّفت جميع الإمكانيات الأخرى المتاحة لها في ملاحقته باستدعاء قوات المخابرات والنيابة العسكرية أيضاً، لايملك الإنسان إلاّ التساؤل فيما إذا كانت السلطات الفلسطينية، وغيرها ممن ينتهج هذه الأساليب التعسفية، بتسخير كل تلك الإمكانيات وتكثيف كل تلك الأجهزة الأمنية في مطاردة شاب وحيد أعزب، تتخوف فعلاً من coup d'etat (قلب نظام حكم) يشنه هذا الكائن الضعيف على الإله بجبروته وجنوده في سمائه السابعة؟

أرجو أن يكون مغزى الحادثة التي ذكرتها في مقدمة المقال قد بدأ يتضح الآن.

هل الذات الإلهية التي تمسك الكون بقبضتها تحتاج إلى حماية البشر الذين لايمثلون إلاّ جزء تافه ضمن ذلك الكون .... والذي هو بمجراته ونجومه وكائناته في قبضة ذلك الإله يتصرف به كما يشاء؟
أليست هذه المحاولات الدفاعية البائسة إستخفاف بقدرة الإله وإهانة له؟
وعندما يدافع البشر عن الذات الإلهية ويعاقبون بالقتل كل من يسيئ إليها، فهم يدافعون عن ماذا بالضبط؟ كيف يكون للإله ذات أصلاً والذات شيئ، إنما القرآن يقول "ليس كمثله شيئ"؟
وهل من الممكن، على افتراض أن للإله شيئ إسمه ذات، شرح ماهو الضرر الذي سوف يصيب تلك الذات وكيف سوف يصيبها حين يسئ إليها أحد؟ هل سوف تنجرح مثلاً أو تنهار نفسياً إذا انتقدها أحد؟

لن تنجرح أو تنهار من أي شيئ، ناهيك عن مجرد إلقاء الكلام عليها، بل هذا الدفاع عن تلك "الذات الإلهية"، التي ليس لها تعريف ولاتعني شيئ، بالقتل المتعمد ماهو إلاّ محاولة وحشية بائسة يائسة للتعويض عن نقص في الذات البشرية، التي نعرف بالضبط ماهي، والتي تسعى لأن تحمي ضعفها وتسد ثغرات جهلها وتأمن من خوفها في صراعها ضد جبروت الطبيعة التي لاتفهمها ولاتستطيع ضبط قسوتها، فالزلازل والبراكين والأعاصير والأوبئة لاتزال تحصد البشر بالملايين وليس للإنسان سبيل إلى منعها أو التحكم فيها، وكل مايصدر عنها من دمار يُعامل بسبب ذلك الضعف كغضب من الآلهة. وهذا القتل المتعمد لبني جنسهم بإسم آلهتم ماهو إلى إمتداد لطقوس ومراسيم دموية نابعة عن جهل، مارسها البشر طوال التاريخ ولايزالوا للأسف إلى اليوم يقدمونها كأضحيات وقرابين لاسترضاء تلك الطبيعة وإخماد غضبها.

والمشكلة التي تعاني منها أممنا المتخلفة علماً وتشريعاً هي ثقافتها العلمية الإنتقائية الناقصة، فهي تأخذ ماتشتهيه من العلوم ومنهاجها وترفض مالاتستسيغه منها. وطالما استمرت هذه الإنتقائية العوراء للعلم والمعرفة، فسوف يستمر معها جهلها، وكلما أستمر جهلها كلما إستمرت في طقوسها البدائية في إصطياد الضحايا البشرية وتقديمهم كقرابين على مذابح الحريات لتجنب غضب الطبيعة.


(1) ماهو قانون التجديف؟

التجديف (بالإنجليزية: Blasphemy‏) هو مايعتبر في الأوساط الدينية بأنه إسائة، وذلك بواسطة السب أو الإنتقاد أو حتى عدم اظهار تقدير أو احترام لشخصيات مقدسة في ديانة ما أو تجاه رموز دينية. وفي الديانات الإبراهيمية الإدانة بالتجديف قد تكون بالغة الشدة. كما أن بعض البلدان مثل باكستان تشرع قوانين تعاقب على تهمة التجديف، في حين أن بلداناً أخرى تمنح اللجوء لأشخاص وجهت إليهم تلك التهمة في بلدانهم. وقد تستخدم بعض البلدان قوانين التجديف لإدانة أشخاص يختلفون مع الأغلبية أو أشخاص منشقين عن طائفة أو دين معين، وتعتبر البلدان التي تتبنى ديناً رسمياً في دساتيرها هي أكثر المعاقبين باستخدام قوانين التجديف. (التعريف من ويكيبيديا)
من هو وليد الحسيني؟ لماذا قبض على وليد الحسيني؟ أين وليد الحسيني؟ هل وليد الجسيني ملحد؟ هل وليد الحسيني مسلم؟ مااسم مدونة وليد الحسيني؟ هل وليد الحسيني مرتد؟ ماذا حدث لوليد الحسنيني؟ هل وليد الحسيني مسيحي؟ هل رجع وليد الحسيني إلى الإسلام؟ هل هل عاد وليد الحسيني إلى الإسلام؟

الثلاثاء، 16 نوفمبر 2010

العلمانية سعادة

:

ذكرت في بوست سابق تحت عنوان دولة بلا دين مدى نجاح ورقي وتحضر المجتمعات العلمانية وفقاً لجميع المعايير الدولية، على الصعيد السياسي والإقتصادي والإجتماعي. وأتيت بالدنمارك كنموذج ساطع وهّاج لذلك النجاح الذي يتمثل بدرجة عالية من الإزدهار والرخاء والأمان والرضا، ويتكلل بـ ... 

السـعـادة

نعم، السـعادة. تلك التجربة العذبة التي تمتزج فيها أجمل وألذ الإحسـاسـات البشـرية من بهجة ومتعة ورضى وسـرور لتنتج كوكتيل أمبروزي(1) من الشعور السامي الخلاب يذوب في نشوته المحظوظين من البشر. وهؤلاء المحظوظين من البشر هم مواطنين الدول العلمانية. وإليكم الدليل:

في إستفتاء عالمي واسع النطاق شمل 155 دولة أجراه الباحثون في هيئة غالوب الدولية لقياس درجة السعادة التي يتمتع بها المواطنون في مختلف المجتمعات، أظهر البحث أن الدول الخمسة الأوائل التي يتمتع مواطنيها بأعلى درجات من السعادة هي أيضاً أشد الدول علمانية وأبعدها عن التدين، وإليكم الترتيب مع صورة تمثل كل دولة:

1- الدنمارك


 
2- فنلندا



3- النرويج


 
4- السويد


 

5- هولندا


وهذا ترتيب بعض الدول الأخرى:

6- كوستا ريكا
7- نيوزيلندا
8- كندا
9- إسرائيل
10- أستراليا
11- سويسرا
12- باناما
13- البرازيل
14- الولايات المتحدة
15- النمسا
16- بلجيكا
17- المملكة المتحدة
18- المكسيك
19- تركمنستان
20- دولة الإمارات
21- فنزويلا
22- إيرلندا
23- بويرتو ريكو
24- الكويت
25- آيسلندا
26- جاميكا
27- قبرص
28- لكسمبورغ
29- ترنيداد وتوبيغو
30- الأرجنتين

ولابد أنكم قد لاحظتوا أن أسعد ثلاثين دولة في القائمة، لاتوجد فيها إلاّ دولتين عربيتين هما دولة الإمارات وتقع في المرتبة العشرين والكويت في المرتبة الرابعة والعشرين!!! 
مامعنى العلمانية؟ ماهو تعريف العلمانية؟ من اخترع العلمانية؟ هل العلمانية كاقرة؟ هل العلمانيون ملحدون؟ هل العلمانية ملحد؟ هل العلماني كافر؟ ماهو تاريخ العلمانية؟ كيف بدأت العلمانية؟ لماذا يريدون العلمانية؟ ماهي أهداف العلمانية؟ من هم العلمانيون؟ ماهي أهداف العلمانيون؟ لماذا تنتشر العلمانية؟ لماذا تنتشر العلمانية في الدول الإسلامية؟ هل تنتشر العلمانية في الدول الإسلامية؟ ماهي خطورة العلمانية؟ هل العلمانية خطرة؟ هل العلمانية ضد الدين؟ هل يحرم الدين العلمانية؟ ماذا يريد العلمانيون؟ من أسس العلمانية؟ من هو مؤسس العلمانية؟ كيف تأسست العلمانية؟ متى تأسست العلمانية؟
إضغط على الوصلة أدناه لتعرف مراتب باقي الدول:
المصدر

(1)  الأمبروزيا = شراب الآلهة في الميثالوجيا الإغريقية

الخميس، 11 نوفمبر 2010

يوم انشقت السماء

::

في الساعة السابعة والأربعة عشر دقيقة من صباح يوم الإثنين، الموافق الثلاثون من يونيو عام 1908، حدثت ظاهرة كونية مدمرة فوق السهول السيبيرية في روسيا. ظاهرة وإن كانت متكررة إنما لحسن الحظ نادرة الحدوث بهذه الشدة على الأرض، شاهدها الفلاح الروسي سيمين سيمينوف وسجلت المراصد الأوروبية والأمريكية التأثيرات الجوية التي أعقبتها والتي أستمرت عالقة في الجو بعد ذلك الحدث لعدة شهور. وهذا وصف لما شاهده سيمينوف ذلك الصباح من بيته الذي كان يبعد عن الحدث بخمسة وستين كيلومتر فقط ...

يقول سيمينوف:

"كنت جالساً قرب البيت وقت إفطار الصباح مواجهاً الجنوب، وفجأةً بينما أنظر في ذلك الإتجاه رأيت السماء تنشق نصفين ونار عالية وشاسعة تضطرم فوق الغابة. ثم أخذ ذلك الشق بالإتساع واكتسحت النيران الأفق الجنوبي بأكمله. وفي تلك اللحظات شعرت بحرارة لاتطاق وكأن قميصي يلتهب، ثم أتت من ذلك الإتجاه حرارة شديدة كدت أمزق قميصي من على جسدي وأرميه بسببها، ولكني رأيت أن شق السماء قد إنغلق، وأعقبه صوت ارتطام هائل قذفني بعيداً عدة أمتار، ففقدت شعوري لوهلة، وأتتني زوجتي مسرعة تركض وأدخلتني البيت. ثم جائت بعد ذلك أصوات تشبه تساقط الصخور أو إطلاق المدافع إهتزت معها الأرض، فسقطت وأخفضت رأسي لأحميه من سقوط الصخور عليه وتهشيمه".

ويضيف سيمينوف قائلاً:

"عندما إنشقت السماء، عصفت بنا رياح حارة شديدة وكأنها من سرعتها أطلقت من مدافع، مرت بين البيوت وحفرت على الأرض أخاديد وأتلفت المحاصيل المزروعة. ثم رأينا بعدما هدأت أن زجاج النوافذ قد تكسر وأن حتى القفل الحديدي لباب الإسطبل قد تحطم".

فمالذي حدث ذلك اليوم؟

ماشاهده سيمينوف وواجهه في ذلك الصباح الذي ظن فيه أن نهايته قد أقبلت تهرع من شق في السماء، هو مايعرف بـ "ظاهرة تنغوسكا" التي كانت عبارة عن إختراق نيزك أو مذنّب هائل الحجم للغلاف الجوي وانفجاره. إذ قد ظهر إحتراق ذلك النيزك بالغلاف الجوي وكأنه قد "شق السماء"، ثم انفجر بعدها فوق الغابات السيبيرية على ارتفاع عدة كيلومترات من سطح الأرض قبل أن يرتطم بها.

كان ذلك الإنفجار من أشد الإنفجارات النيزكية عنفاً في تاريخ الكرة الأرضية الحديث، إذ قد امتد تأثيره ليصل إلى شمال القارة الأوربية وإلى آسيا الوسطى. فقد شاهد الناس في هذه المناطق غيوم عظيمة وغروب مللون وهّاج، بينما شاهد البعض الآخر تألقاً منيراً في السماء أضاء عتمة الليل ومكّن قراءة الكتب تحته.

وبالرغم من أن حجم ذلك النيزك لم يتعدى بضعة عشرات الأمتار، إنما قوة إنفجاره كانت تعادل 1000 قنبلة نووية من الحجم الذي أسقط على هيروشيما، ونحن نعرف ماذا حدث للبشر في ذلك الإنفجار المروع، ولكن عندما انفجر نيزك تنغوسكا فوق الغابات السيبيرية، غطى إنفجاره مساحة تقدر بحوالي 2000 كيلومتر مربع واقتلع مايقارب من 80 مليون شجرة. فماذا كانت الخسائر لو سقط على منطقة مأهولة بالسكان؟


تستقبل الكرة الأرضية حوالي مليون نيزك صغير كل يوم، ويأتيها نيزك بحجم السيارة بمعدل مرة بالسنة، ونيزك بحجم ملعب كرة القدم بمعدل كل ألفين سنة محدثاً أضراراً محلية جسيمة. ولكن الخوف الحقيقي هو من النيازك الهائلة التي يقاس حجمها بالكيلومترات، فالبرغم من أن هذه النيازك لاترتطم بالأرض إلاّ بمعدل كل بضعة مليون سنة، إلاّ أن دمارها شامل ومميت.

وتحوم في هذه اللحظة، في شعاب الفضاء الخارجي أحد هذه الصخور العملاقة في سعي حثيث، باحثة عن كوكبنا لتأتي لزيارتنا بدون دعوة. إذ أن التاريخ الجيولوجي للكرة الأرضية حافل بتلك الزيارات المتطفلة الغير مرغوبة، لعل أشهرها هو النيزك الذي سقط قبل 65 مليون سنة وأهلك الداينوصورات على غفلة بينما هم مشغولين في روتينهم الداينوصوري اليومي من الأكل وملاحقة بعضهم. والإحتمالات الرياضية تشير إلى أن هذا الدمار من الإرتطامات الكارثية سوف يتكرر مرة أخرى في وقت ما في المستقبل، ولايعرف أحد متى سيتحقق ذلك الكابوس، إذ لم يتعرف العلماء إلى الآن على أي نيزك محدد بالحجم الذي يبعث على الخوف.

ولكن المقلق أن الأدلة تشير بقوة على أن هناك صخرة هائلة الحجم تسبح في مكان ما في الفضاء سوف تأتينا، عاجلاً أو آجلاً. وقد تعرف العلماء على عدد من هذه الصخور القريبة من الأرض والتي تبلغ أحجامها عدة كيلومترات ورصدت مداراتها، ولحسن الحظ لايمثل أي منها خطورة علينا، لكن المهم هو أن نستمر في المراقبة والبحث. وهناك مشروع أمريكي تابع لوكالة ناسا الفضائية يسمى بـ الأجسام القريبة من الأرض Near Earth Objects يجري العمل فيه منذ أواخر التسعينيات مهمته البحث عن والتعرف على 90% من الأجسام النيزكية التي يفوق حجمها الكيلومتر والتي تمثل خطراً على الأرض، وقد غطى المشروع إلى الان مايقارب من 80% من تلك المهمة.

 
وقبل بضعة سنوات، طلب الكونغرس الأمريكي من ناسا أن تتوسع في البحث ليشمل الصخور الأصغر والتي تبدأ أحجامها من 140 متر، وهذا البحث الدقيق يتطلب نوعية أفضل وعدد أكبر من التلسكوبات التي تستخدم في البحث، وتجري الآن التحضيرات لجلب هذا النوع العالي الكفاءة. وسوف نسمع الكثير عن هذا المشروع في السنوات القادمة عندما يتم مسح الفضاء بواسطة هذه التلسكوبات الحديثة بحثاً عن هذه الصخور الخطرة.

وعندما يتم التعرف على نيزك خطر، فأفضل أسلوب للحصول على المزيد من المعلومات عنه هو إستخدام الرادارات العالية الأداء. فمراصد مثل مرصد آرسيبو في بويرتو ريكو في البحر الكاريبي ومجمع أبحاث غولدستون في كاليفورنيا في الولايات المتحدة، يمكنهما أن يحددا بدقة متناهية خصائص تلك النيازك، ويحسبا سرعاتها إلى عدد المليمترات التي تقطعها في الثانية، مما يمكن العلماء من معرفة مساراتها المستقبلية لمئات السنوات.

فماذا يمكننا أن نفعل إذا إكتشفت إحدى تلك التلسكوبات الباحثة صخرة ضخمة تتدحرج في الفضاء، ورأت ملصوق عليها هذا العنوان:

أسم الكوكب:  الكرة الأرضية
رقم الشارع:  المدار الثالث من الشمس
المدينة:  المجموعة الشمسية
الدولة:  درب التبانة

هل نهاجر كلنا، ستة بليون وثمانمئة مليون نسمة إلى المريخ؟
أو أن الغني يفلت والفقير ينشوي .... كالعادة؟
وماذا عن بعارينا ومعيزنا وكلابنا وقططنا، نأخذهم معنا أو نتركهم للباربكيو العالمي؟
هل يمكننا بناء سفن نوحية فضائية؟
::
في الواقع أن هذا الإحتمال، أي إرتطام نيزك كبير بالأرض، يعامل بكل جدية من أغلب الدول المتطورة وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا. والإجرائات التي يتم دراستها حالياً للتعامل مع هذه الخطورة تقوم بالإشراف عليها هيئة الأمم المتحدة ذاتها. وفي هذا السياق، عقد مؤتمر خلال الأسبوع الماضي إستضافته الوكالة الفضائية الأوربية European Space Agency ، شمل رواد وعلماء فضاء. وكان هذا المؤتمر واحد من سلسلة من المؤتمرات تم عقدها لرفع تقارير للأمم المتحدة عن الإستخدام السلمي للفضاء الخارجي. وقد ألح الخبراء على الوكالات الفضائية خلال تلك المؤتمرات بتحسين كفائات البحث والتقفي للأجسام الفضائية الخطرة والشروع في تطوير خطط للتعرض لها والحد من خطورتها.

وأحد الشخصيات البارزة في هذا المجال هو رائد الفضاء راستي شوايكارت، أحد رواد رحلة أبولو التاسعة، فهو رئيس إدارة مؤسسة الـ بي 612 التي تسعى لإيجاد حلول لمنع إرتطام هذه النيازك بالأرض. فهو يعتقد بأن أفضل حل لتفادي هذه الإرتطامات هو مافعلته ناسا سنة 2005 عندما أرسلت مركبة فضائية لتعترض شهاب مذنب وتدفعه لتحده عن مساره. إذ أن هذه الوكزة البسيطة التي تقوم بها المركبة الفضائية للجسم الفضائي المتجه نحو الأرض سوف تكون كافية لأن تغير مساره أو سرعته بحيث يخطء الهدف، وهو الأرض، ويمر حولها. ويعتقد شوايكارت أن الجانب التقني الفني للقيام في مثل هذه الوكزة هو خطوة سهلة، إنما الخطوة الصعبة هي حث البيوروقراطية الدولية على العمل في مواجهة هذه الخطورة في الوقت المناسب. وهذا مثال لمايعنيه:

عندما أُكتشف النيزك المسمى بـ أبوفيس البالغ حجمه 270 متر عام 2004، أشارت الحسابات الأولية إلى إحتمال إرتطامه بالأرض سنة 2036، ولكن اتضح فيما بعد أن ذلك الإحتمال ضعيف للغاية وإن كان لايزال موجود. ولكن ماذا لو أكدت الحسابات حتمية إرتطامه وأن علينا أن نتأخذ الإجرائات المطلوبة للحد من تلك الخطورة؟

أنظروا إلى الخريطة أدناه. توجد لدينا بيانات كافية عن مساره تمكننا من تحديد وقت وموقع إرتطامه على الكرة الأرضية، وسوف تكون في مكان ما على الخط الأحمر في الخريطة. والآن، تصوروا أن هناك إجتماع في هيئة الأمم المتحدة في محاولة للإتفاق على مايتوجب عمله بواسطة المركبة الفضائية المرسلة إليه. هل توكزه من الخلف لتزيد من سرعته أو من الأمام لتخففها؟ لأن هذا القرار مصيري ويهم حياة عشرات الآلاف من البشر إذا لم تنجح المهمة في تغيير مساره ليخطأ كلياً الكرة الأرضية، فإذا فشلت المهمة فسوف يسقط على الأرض ضمن نطاق الخط الأحمر. فزيادة السرعة أو خفضها سوف تؤثر على موقع سقوطه. فالدول التي سوف يسقط عليها فيما لو زادت سرعته وأخطأ الهدف لن تقبل بزيادة السرعة، وبالمثل، فالدول التي سوف تتأثر من سقوطه فيما لو أنخفضت سرعته لن تقبل بتخفيض السرعة. فيبقى قرار زيادة سرعته أو خفضها معلق، لأن كل دولة في نطاق سقوطه سوف تحاول تفادي سقوطه عليها.

يعتقد شوايكارت أن مثل هذه القرارات الحساسة يجب أن تعالج الآن لإيجاد آلية للتعامل مع هذه الإحتمالات والبت فيها. ويقول في هذا الصدد:

"إذا استطعنا أن نتخطى هذه العقبة البيوروقراطية ففي إمكاننا في الحقيقة تفادي الإرتطامات النيزكية الضخمة في المستقبل. وهذا تصريح مدهش وجريئ، ولكن إذا استطعنا أداء مهمتنا بكفائة فلن نتعرض أبداً لإرتطام نيزكي آخر يدمر الحياة على الأرض مرة أخرى".


هل سوف تنشق السماء؟ هل سوف تنشق السماء يوم القيامة؟ هل انشقت السماء؟ كيف تنشق السماء؟ متى سوف تنسق السماء؟ ماهي ظاهرة تنغوسكا؟ أين حدثت تنغوسكا؟ أين وقع نيزك تنغوسكا؟ متى وقع نيزك تنغوسكا؟ هل سوف يدمر نيزك الكرة الأرضية؟ ماذا يحدث لو وقع نيزك على الأرض؟ كم نيزك يقع على الأرض في السنة؟ ماهي أنواع النيازك؟ ماهو أكبر نيزك وقع على الأرض؟ هل الحجر الأسود نيزك؟ ماهي خطورة النيازك؟ هل سوف يدمر الأرض نيزك؟ مالفرق بين النيزك والشهاب؟ من أين تأتي النيازك؟

الثلاثاء، 9 نوفمبر 2010

وتحققت الإطلالة

::
إحدى إصطدامات أيونات الرصاص التي تجرى حالياً

ذكرت لكم في البوست السابق أن المصادم الهدروني الكبير سوف يبدأ في أوائل شهر نوفمبر القادم بخلق إنفجارات مصغرة مشابهة لما حدث في الإنفجار الكبير Big bang الذي خلق الكون. أعتذر عن تلك السهوة في توضيح التاريخ، فقد كنت أقصد شهر نوفمبر الحالي وليس نوفمبر من السنة القادمة.

لقد تحقق الآن ذلك الهدف، فقد بدأت التجارب يوم الأحد الماضي السابع من نوفمبر ولاتزال جارية حتى في هذه الساعة، وسوف تستمر لمدة أربعة أسابيع لتنتج من المعلومات كمية ضخمة سوف تُشغل العلماء لعدة سنوات في تحليلها.

حققت التجربة خلال تصادم أيونات الرصاص درجات من الحرارة فاقت حرارة مركز الشمس بمليون مرة، وسوف يُركز العلماء جهودهم خلال الأسابيع الأربعة القادمة على دراسة وتحليل نتائج تلك الإصطدامات لتعلم المزيد عن طور البلازما التي كان عليها الكون خلال اللحظات القصيرة التي أعقبت ظهوره قبل 13.7 بليون سنة.

وقد أُجريت التجربة في الغرفة المسماة بـ "أليس" ALICE في المصادم والمبنية خصيصاً لهذا النوع من التجارب، وتم أيضاً تحويل وظيفة غرفتان أخريتان، الأطلس ATLAS والسي أم أس CMS من مجموع الأربعة غرف المخصصة لتجارب أخرى إلى رصد هذه الإصطدامات.
:: 
غرفة أليس  ALICE  لتجارب أيونات الرصاص
::
يقول دافيد إفنز، أحد العلماء المشاركين في هذه التجربة:

"لقد أجريت هذه العملية في بيئة آمنة وتحت السيطرة، خلقنا فيها كريات نارية أصغر حجماً من الذرة تميزت بقدر مذهل من الكثافة وتعدت حرارتها العشرة تريليون درجة، أي بلغت معدلات أعلى حرارة من مركز الشمس بمليون مرة، أنصهرت فيها النيوترونات والبروتونات التي تكون نواة الذرة لتنتج بلازما شديدة الكثافة والحرارة من الكوارك والغلوون، وهما الجسيمات الأولية المكونة لتلك النيوترونات والبروتونات"

أي تم تفكيك مكونات نوات الذرة بواسطة التصادمات في تلك التجربة لخلق نفس الحالة التي كان عليها الكون في الوهلة الإبتدائية من بعد إنفجاره. ويضيف دافيد إفنز قائلاً:

"الكوارك والغلوون هما جسيمات مادون الذرة، ويمثلان بعض مكونات تركيبة المادة. وعند بلوغهم للحالة التي تُسمى بـ بلازما الكوارك والغلوون، يفقدان قدرتهما على تجاذبهما لبعضهما، وهذه هي الحالة التي نعتقد أن الكون كان عليها بعد ظهوره مباشرة".

وسوف أتابع التطورات وأنشرها حال الحصول عليها. وهذا فيديو كليب يشرح طريقة عمل المصادم الهدروني الكبير (التعليق باللغة الإنجليزية):



ماهو المصادم الهادروني الكبير؟ أين يوجد المصادم الهادروني الكبير؟ ماهي أهداف المصادم الهادروني الكبير؟ متى بني المصادم الهادروني الكبير؟ ماهو حجم المصادم الهادروني الكبير؟ لماذا يوجد المصادم الهادروني الكبير تحت الأرض؟ ماهي إستكشافات المصادم الهادروني الكبير؟ هل سوف يكشف المصادم الهادروني الكبير أسرار الكون؟ هل سوف يكشف المصادم الهادروني الكبير أسرار الخلق؟ ماذا سوف يكشف المصادم الهادروني الكبير؟ ماهي التجارب التي يقوم بها المصادم الهادروني الكبير؟ ماهي نتائج التجارب التي يقوم بها المصادم الهادروني الكبير؟   

الخميس، 4 نوفمبر 2010

إطلالة على خلق الكون

::

في ساعة ما، في أحد أيام الخريف الباردة من أوائل شهر نوفمبر الحالي، حين تطرح الأشجار ردائها الأخضر الزاهي وتتعرى للشتاء، وتنفش الطيور ريشها لتحتمي من قسوة البرد بين غصونها الجرداء، وتقصر ساعات النهار وتطول ظلمة المساء، سوف يتزاحم جمع من أنبغ العلماء، حول شاشات كمبيوتراتهم في غرفة المراقبة الدافئة في سيرن CERN  ليحدّقوا فيها بعيون جاحظة وأفواه مفتوحة وهم يتطلعون بلهف وترقب مُلِحْ إلى أمل النيل بلمحة خاطفة تومض على شاشاتهم وتكشف لهم أسرار اللحظات الأولية من خلق الكون.

وكيف سيتمكن هؤلاء العلماء من رؤية عملية الخلق الغيبية كما كانت تجري على قدم وساق؟
هل سوف تأتيتهم مخلوقات نورانية مجنحة بفيديو كليب عن تلك اللحظات الإبتدائية للخلق؟  

لو تفضلت تلك المخلوقات الماورائية، ولو سُمح لها بإحضار نسخة مرئية، تكشف خطوات تلك العملية الغيبية، لسهُلت مهمة العلماء في معرفة ماحدث في تلك اللحظات الخلقية، ولكن علماء الإنسانية الأجلاء لم يعتمدوا ولن يعتمدوا قط على الماورائيات في حل معضلات الوجود وكشف أسرار الكون، فقد صنعوا بأيديهم مايُمكنهم من سبر أغوار الوجود وفك رموزه، إذ تجري التحضيرات هذه الأيام في غرف عمليات المصادم الهدروني الكبير التابع لسيرن - المنظمة الأوربية للأبحاث النووية - لإطلاق حزم إشعاعية من أيونات عنصر الرصاص لترتطم ببعضها في المصادم وتعيد بشكل مصغر لحظة الإنفجار العظيم الذي خلق الكون.

هذه الخطوة من مراحل عمل المصادم الهدروني سوف تُمكّن العلماء من معرفة الحالة التي كانت المادة عليها في تلك اللحظات القصيرة التي أعقبت الإنفجار الكبير  Big Bang. وكما وعدتكم في بوستات سابقة، سوف أتابع التطورات الهامة لهذه التجارب الجلل التي يقوم بها العلماء في المصادم الهدروني الكبير وأنشرها لكم هنا.

منذ أن بدأ العمل في المصادم الهدروني، كانت الإرتطامات الإبتدائية فيه تنحصر على البروتونات فقط (وهي إحدى مكونات نواة الذرة)، ولكن التجارب قد وصلت الآن إلى مراحل متقدمة تخول العلماء فيها من إنجاز أحد أهم أهدافه وهو الإطلال على تلك اللحظات التي أعقبت الإنفجار الكبير، ولتحقيق هذا الهدف يتحتم إستخدام ذرات الرصاص الثقيلة في التصادم بدلاً من البروتونات. وسوف تستمر هذه التجارب لأربعة أسابيع إبتداءً من أوائل شهر نوفمبر القادم.

ولمن لايعرف الكثير عن المصادم الهدروني الكبير فهو باختصار عبارة عن أنبوبة دائرية ضخمة مبنية في نفق تحت الأرض بين حدود فرنسا وسويسرا يبغ طولها 27 كيلومتر تطلق فيها أشعاعات نووية في إتجاهات معاكسة لتصطم ببعضها وتُدرس بعد ذلك نتائجها. ويحتوي ذلك النفق الطويل على أربعة غرف للتجارب وتصوير الإرتطامات، وتلك الغرف موزعة على طول النفق وكل غرفة منها لها دور محدد لدراسة جانب مختلف من طبيعة الإرتطامات. وأحد تلك الغرف وأسمها أليس ALICE قد صُممت خصيصاً لدراسة إرتطامات أيونات الرصاص (والأيونات هي ذرات تحمل شحنة كهربائية) والتي سوف تكشف لنا أحد أسرار الإنفجار الكبير.

يقول جيمس جيليس، الناطق الرسمي لسيرن، أن تلك التجربة المرتقبة سوف تزودهم بعلومات عن الحالة التي كان عليها الكون في اللحظات القصيرة المباشرة بعد ظهوره قبل 13.7 بليون سنة، إذ أنها سوف تمكنهم من النظر إلى الكون خلال تلك البرهة التي أعقبت ظهوره كنقطة من الطاقة متناهية في الصغر، والتي أدى تضخمها فيما بعد إلى تشكّل الكون الهائل الذي نراه الآن. إذ يعتقد العلماء أن في تلك اللحظة المبكرة في تشكيل الكون، كانت تتواجد حالة خاصة للمادة تختلف عن جميع حالاتها التي نعرفها اليوم عنها يطلق عليها أسم: كوارك غلوون بلازما Quark-Gluon Plasma وهي الحالة التي يمكن الوصول إليها من خلال التجربة إذا تمكن العلماء من صهر أيونات الرصاص، وهو ماسوف يحدث عند التصادم.

فإذا استطاع العلماء أن يخلقوا هذه الحالة من المادة في المصادم، سوف يتمكنوا من دراستها وبالتالي معرفة كيف تطورت وكيف أدى تطورها إلى وجود المادة التي يتكون الكون والبشر وباقي الكائنات الحية منها. أو بعبارة أخرى، سوف يتمكن العلماء من دراسة الخلق ذاته بأدق تفاصيله.

ولتحقيق هذا الإنصهار، سوف ترفع الإصطدامات درجة حرارة أيونات الرصاص المتراطمة إلى عشرة تريليون درجة مئوية، تحدث في غضون واحد من ترليون ترليون جزء من الثانية ...

بذمتكم ... أليس هذا إنجاز بشري حضاري مذهل؟
يضاهي حتى إكتشاف فوائد بول البعير في حضارتنا؟


توجد بوستات كثيرة سابقة تتناول تطورات التجارب في المصادم الهدروني الكبير تجدونها هنا وهنا وهنا وهنا وهنا وهنا
والصورة أعلاه تمثل سيميوليشن على الكمبيوتر لارتطام أيونات الرصاص في المصادم الهدروني.

الاثنين، 1 نوفمبر 2010

ليست مجرد فرقعة

::

يروي يوشي قصة أحداث ذلك اليوم عندما كان في الثالثة عشر من عمره:

تمتم أحد زملائي في فصل المدرسة وهو يشير من خلال النافذة إلى طائرة تحلق في السماء قائلاً: "أنها أي بي 29"، فنهضت من كرسيي وسألته: "أين هي؟" محدقاً في الإتجاه الذي يشير إليه.

كنت على وشك الوقوف عندما وقع الحدث، وكل ماأتذكره من تلك اللحظات هو أنني رأيت وميض باهت لم يستمر أكثر من ثانيتين أو ثلاث، فقدت بعدها وعيي. ولاأدري كم مضى من الوقت قبل أن أفيق وأرى هول الوضع حولي، فالأدخنة كانت تتصاعد من مكان ما فوق الحطام والغبار يتطاير في الأجواء وأنا مدفون تحت الأنقاض أشعر بألم شديد لم أتمكن معه من الحركة بوصة واحدة.

أتذكر أنني سمعت وأنا في تلك الحالة حوالي عشرة من زملائي في الفصل ينشدون نشيد المدرسة. وأتذكر أيضاً أنني كنت أسمع بعضهم ينحب وينادي أمه، فشاركتهم الغناء على أمل أن يسمعنا أحد ويأتي لمساعدتنا، ولكن حيث لم يأتنا أحد، بدأت أصوات التلاميذ بالإنقطاع الواحد تلو الاخر، وبقيت أغني وحدي وشعور الخوف يغمرني. ثم قمت بعدها بدفع الأنقاض عني ببطء، قطعة قطعة، وبكل ماأوتيت من قوة حتى نجحت في إزاحة الحطام من حول رأسي ورفعته لأرى أننا قد أصبنا بدمار مهول.

كانت السماء فوقنا قاتمة، ورأيت كأنما إعصار أو كرة هائلة من النيران تعصف بمدينتنا، ولكني لاحظت بالرغم من ذلك أن إصابتي كانت طفيفة، حول ذراعي وفمي فقط والذي كان ينزف بغزارة. فأردت أن أخرج، ولكني تخوفت من أن أُعامل كجبان وهارب إذا خرجت بمفردي، فزحفت فوق الأنقاض على أمل أن أجد زميل آخر لايزال على قيد الحياة ليخرج معي.

وجدت أحد زملاء فصلي لايزال حياً، فأسندته على ذراعي. كان رأسه مشجوجاً ولحمه يتدلي من شق رأسه ولم تتبقى له إلاّ عينا واحدة كان ينظر إليّ بها. كان يتمتم شيئاً لم أفهمه وأخذ بعدها يعض على أظافر أصابعه، فسحبت يده من فمه، فأدخلها في جيبه وأخرج منه دفتراً صغيراً. فسألته قائلاً: "هل تريدني أن آخذ هذا الدفتر وأعطيه لأمك؟" فأومأ لي برأسه وكاد أن يفقد وعيه وهو ينادي: "ماما ماما". كنت أظن أنه من الممكن أن أأخذ هذا الزميل معي، ولكن جسده من الأسفل كان عالقاً تحت الأنقاض، فطلب مني أن أتركه وأذهب. وفي تلك الأثناء بدأت النيران في الإنتشار إلى جناح آخر من المدرسة، أو ما تبقى منها، والأدخنة أخذت تملأ المكان، فتركته وخرجت أركض إلى ساحة الملعب، وأدرت برأسي للخلف لأرى زميلي "وادا" لايزال ينظر إلي من تحت الأنقاض، فانتابني شعور بالأسف نحوه، وكانت تلك آخر مرة أراه فيها.

وأتذكر أنني عندما كنت أركض فوق الحطام، كانت تخرج أيدي من بين الأنقاض وتمسك بساقي، وأصوات تنبعث من الحطام تطلب مني أن آخذها معي. تلك المشاهد لاتزال تراودني في أحلامي. كنت مجرد طفلاً صغيراً في ذلك الوقت، وكنت أشعر بالهلع من كثرة تلك الأيدي التي كانت تحاول القبض على ساقي، فقد كنت أعاني من الألم ولم تكن لدي حيلة سوى التخلص منها ... فكنت أرفسها، وأشعر الآن بعتاب الضمير كلما تذكرتها.

ذهبت بعد ذلك إلى جسر مايوكي على النهر القريب من المدرسة، ورأيت عدداً كبيراً من الناس قد سقطوا على ضفافه، وعدداً كبيراً آخر كانوا يتزاحمون على عتبات الجسر الضيقة ليصلوا إلى الماء، فتزاحمت معهم ورأيت عندما وصلت إلى الماء أن النهر كان ممتلأً بالجثث. فدفعت الجثث عني وغرفت من الماء الممتزج بالطين لأشرب، ووقفت في الماء أنظر إلى الأموات الطافية وهي تنجرف مع التيارات. لاأجد الكلمات المناسبة لوصف ذلك المنظر فقد كان مهولاً، شعرت معه بالرعب والهلع. فعدت لأتسلق حافة ضفة النهر ولكني شعرت بالشلل ولم أرى حتى ظلي، فشخصت ببصري إلى السماء ورأيت فيها غيمة تتضخم وتشبه في شكلها الفطر mushroom. كانت بيضاء براقة تشع حرارة شديدة، ينعكس عليها الضوء ويتحول إلى أطياف قوس قزح. فنظرت إلى تلك الغيمة التي أشعر الآن بأنها كانت جميلة وأقول لنفسي أنني لن أرى أمي ولن أرى أخي الصغير، وفقدت بعدها وعيي مرة أخرى.

أفقت الساعة السابعة مساءً، ووجدت نفسي ممداً على الأرض في مخازن مديرية النقل في أوجينا، وأحد الجنود المسنين يحدق في وجهي. فصفعني بخفة على وجهي وقال لي: "أنت صبي محظوظ". وعرفت منه أنه قد ذهب بشاحنته إلى ضفاف النهر ليجمع الأموات المتناثرة عليها. كانوا يحملون الجثث ويلقونها في الشاحنة كالأكياس، فحملوني معهم وألقوني فوق كومة الجثث ظناً منهم بأنني ميت، ولكن جسدي انزلق من على الكومة وسقط من فوقها، وعندما مسك أحدهم بيدي ليرجعني إلى الشاحنة شعر بدقات نبضي ووضعني مع الناجين وأحضرني إلى المديرية.

لقد كنت من المحظوظين.

كان هذا وصف على لسان يوشيتاكا كاواموتو، أحد الناجين من إنفجار قنبلة هيروشيما، لما جرى له في تلك الساعات بعد إسقاطها عليهم يوم الإثنين السادس من أغسطس عام 1945. كانت تلك أول قنبلة نووية أسقطت على البشر، أعقبها بثلاثة أيام إنفجار نووي آخر في ناغازاكي أدى إلى إستسلام القوات اليابانية وانتهاء الحرب العالمية الثانية.

بنهاية الحرب إنتهى إسقاط هذه القنابل المروعة على الإنسانية، ولكن إنفجاراتها استمرت لعشرات العقود بعدها كتجارب في سباق تسلح مخيف بين القوى العظمى لم يتوقف إلاّ قبل بضعة سنوات، ولكن بعدما زاد عدد الدول التي تمتلكها. ولاتزال بعض الدول الأخرى، النامية منها بالخصوص والغير مستقرة سياسياً أو إجتماعياً، تحاول إقتنائها بشتى الطرق.

هذا فيديو كليب رائع يلخص سباق التسلح النووي الذي جرى في الفترة مابين أول إنفجار تجريبي حدث في الساعة الخامسة والنصف من يوم الإثنين السادس عشر من أغسسطس عام 1945 في صحراء المكسيك بواسطة الولايات المتحدة، وإلى أواخر عام 1998، حين فجّرت فيه باكستان آخر قنبلة نووية.

(في الزاوية العليا على يمين الشاشة من الفيديو تظهر تواريخ الإنفجارات، وفي باقي الهامش أعلى الشاشة تظهر الدول التي أجرت التجارب وعدد إنفجاراتها. وفي الزاوية السفلى على يمين الشاشة يظهر المجموع الكلي للإنفجارات خلال تلك الفترات. وباقي الهامش أسفل الشاشة تظهر فيه باقي الدول النووية وعدد إنفجاراتها - الفيديو مصاحب بصوت):


متى فجرت أول قنبلة ذرية؟ أين فجرت أول قنبلة ذرية؟ ماهي أكبر قنبلة ذرية؟