الأربعاء، 1 يونيو 2011

الأدلة الآركيولوجية للديانات الإبراهيمية - الجزء الأول

::

سوف أبدأ بنشر سلسلة من البوستات لتغطية موضوع كتاب قرأته قبل بضعة سنوات أعجز عن وصف أهميته البالغة لكل باحث صادق يريد معرفة النظرة العلمية حول منبع العقيدة الإبراهيمية - الإسلام والمسيحية واليهودية.

إسم الكتاب "كشف الإنجيل"  The Bible Unearthed كتبه إسرائيل فينكلستاين Israel Finkelstein ، إستاذ علم الآركيولوجيا في جامعة تل أبيب، بالتعاون مع نيل سيلبرمان  Neil Silberman، من قسم الأنثروبولوجي في جامعة ماساتشوستس حالياً. وقد أحدث هذا الكتاب عند نشره عام 2002 زوبعة عارمة في حقل الأركيولوجيا التوراتية (الحفريات الأثرية المتعلقة بالإنجيل)، وأدى فيما بعد إلى إنتاج برنامج وثائقي حول الإستكشافات التي ظهرت خلال العقود الأخيرة والتي يتناولها الكتاب بتفصيل دقيق، بث على القناة الخامسة (على ماأتذكر) للتلفزيون البريطاني قبل بضعة سنوات.

يتناول الكتاب منبع الديانات الإبراهيمية - جذورها التوراتية ومسارها خلال الألفية الأولى قبل الميلاد - ليس من منطلق النصوص التوراتية إنما من مستند الدلائل الآركيولوجية المكتشفة الملموسة.

تلخيص هذا الكتاب في بوستات أنشرها في المدونة، كان مشروع يدور في ذهني منذ عدة سنوات، لم أتمكن من تنفيذه لعدم توفر الوقت الكافي لدي. إنما حالياً توجد لدي ثغرة قصيرة في أعمالي وإلتزاماتي أرجو أن أتمكن من تحقيق تلك الرغبة قبل أن تردمها أعباء الحياة. ولذا فسوف أحاول في هذه المساحة الزمنية المتاحة أن ألخص، ليس الكتاب لأنه أسهب مما يمكنني تلخيصه في بضعة بوستات، إنما محور الموضوع كما بث في البرنامج المذكور، الذي هو بدوره نسخة مختزلة ممتازة من الكتاب.

لاشك لدي بأن بعضكم سوف يُصدم من المعلومات الواردة فيه والمدعومة بالدلائل الآركيولوجية والإستنتاجات العلمية التي تؤكدها. فالبرغم من أن الكتاب والبرنامج المبني عليه لايتطرق بشكل مباشر إلى القرآن، إنما أغلب قصص التوراة محل الطرح هي نفس القصص الموجودة في القرآن. ولذا فأن دلائل أحداث وشخصيات قصص التوراة هي بالضرورة نفس دلائل أحداث وشخصيات قصص القرآن.

(مايلي هو موجز مقتضب لماورد في البرنامج، مترجم بتصرف ومحرر بدون الخروج عن أو التعديل في المضمون. وقد إضطررت لأن أتبع هذا الأسلوب بسبب طول الموضوع وتجنباً للجوء إلى الترجمة الحرفية التي قد تؤدي إلى ركاكة في السياق والصيغة للنسخة العربية. ومابين الأقواس المربعة هي أقوالي أنا، أضفتها للتوضيح).

الأساس الذي تنطلق منه وترتكز عليه الديانتي اليهودية والمسيحية هو العهد القديم - الإنجيل اليهوديٍ - والكثير من القصص الواردة فيه موجودة أيضاً في نصوص القرآن. فهذه الوثيقة القديمة تفرض نفوذاً هائلاً على تشكيل وقولبة ثقافة وسياسة وقيم مجتمعات الشرق الأوسط والمجتمعات الغربية على حد سواء، وقد تسببت في إندلاع حروباً شعواء وصراعات مميتة واختلافات عميقة وكره وعدوانية بين معتنقيها عبر العصور، ولاتزال القوانين القضائية والمفاهيم الأخلاقية والمناهج التربوية تستند على تعاليمها إلى اليوم.

فشدة هذه الصراعات وعمق الخلافات المترتبة عليها تحتم إذاً معرفة مدى صحة مايرد في هذه الوثيقة المسماة بالعهد القديم، فتعالوا معي لنكشف أسرارها.

مر علم الآركيولوجيا الإنجيلية خلال العقود القليلة الماضية في مايشابه بالثورة. فمن خلال استخدام منهجية علمية أوسع، حصل الجيل الجديد من علماء الحفريات الآركيولوجية على معلومات أوسع، كما أن تغير الوضع السياسي في الشرق الأوسط قد شجع على القيام بحفريات عديدة هامة كشفت بدورها عن الكثير من الأدلة الجديدة. وفي خضم هذه التطورات، أصدر فينكلستاين وسيلبرمان كتابهما الذي يطرح قراءة راديكالية جديدة لتاريخ بنو إسرائيل وأصل الإنجيل تحدت بشدة العلم الآركيولوجي الإنجيلي التقليدي الذي كان سائداً قبله.

يقول سيلبرمان:

"قبل مئة عام، كلما أراد علماء الآركيولوجيا تفسير قطعة أثرية ما، نسبوها لحقبة معينة ضمن ماورد في الأنجيل. فكانوا يعزون القطعة إلى زمن يشوع أو عاموس مثلاً. ولكن منهجنا في التفسير [الآن] يختلف تماماً، فنحن نعتبر الدليل [القطعة الأثرية] هو المعلومة الأساسية التي ننطلق من خلالها لنبني قصة الحضارة [التي تنتسب لها]. ونرى تبعاً لذلك أن الإنجيل ماهو إلاّ رمز للتغيرات الجوهرية التي طرأت على المجتمع" [خلال تلك الحقبة].

ويتبعه فينكلستاين بقوله:

"لقد حصلنا لأول مرة على معلومات [آركيولوجية جديدة]، ليس فقط في المناطق الرئيسية بل في المناطق الريفية أيضاً. فإمكانية المسح [الآركيولوجي] للهضاب والمناطق الأخرى قد أدت إلى ثورة في معلوماتنا عن الشعوب القديمة لهذه المنطقة وأدت إلى تحول في المنهج الآركيولوجي، من الأسلوب القديم إلى أسلوب علمي أعمق مدعم من علماء أخرون في شتى المجالات".

فحسب رواية العهد القديم لأصل بنو إسرائيل، أن تاريخهم قد بدأ بهجرة لأسرة بدوية إنتقلت من أرض العراق واستقرت في أرض كنعان بقيادة زعيم لهم يسمى إبراهيم [النبي إبراهيم] كما هو مذكور في سفر التكوين [إبرام كان إسم إبراهيم في العهد القديم]:

 وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ». (سفر التكوين - إصحاح 12 الآيات 1،2،3)



تلك الأرض التي يقول النص أن الرب سيريها لإبراهيم كانت كنعان [أرض فلسطين وإسرائيل اليوم]، ووفقاً للعهد القديم فقد وعدها الله لإبراهيم ونسله ليمتلكوها إلى الأبد. وهذه الآية التوراتية هي أصل فكرة الأرض الموعودة لليهود. وقد حاول علماء الآركيولوجيا طوال المئة سنة الماضية إثبات قصة إبراهيم من خلال العثور على دلائل آركيولوجية تشير إلى هجرة تتوافق مع الحقبة المشار إليها في التوراة.

فيقول فينكلستاين بهذا الصدد:

"جميع الفرضيات المطروحة [سابقاً]، من الألف إلى الياء، عن هجرة [إبراهيم] من الشمال لم تعد تقبل اليوم. فبينما كانت تلك الفرضية فكرة لطيفة إنما [إتضح أنها] تخلو من أي سند. إذ أن السكان [في كنعان] كانوا ينتمون خلال بداية الألفية الثانية قبل الميلاد [وهي الحقبة التي يفترض أن إبراهيم قد هاجر فيها إلى كنعان] إلى نفس المنطقة، فلم تكن هناك هجرة من الشمال من الممكن أن ننسب إبراهيم إليها".

ويضيف الأستاذ جون فان سيترز  John Van Seters - العالم المتميز المتخصص في الدراسات الإنجيلية والتاريخ القديم للشرق الأدنى من جامعة نورث كارولاينا الأمريكية - بقوله:

"الصورة العامة الموجودة في الإنجيل عن الحياة البدوية، لاتعكس بشكل قوي مانعرفه عن البداوة. فالبدو في أحيان كثيرة يغزون مناطق الحضر ويسلبونها. كما أن هناك إشارة [في الإنجيل] إلى الجِمال، إنما [إستخدام] الجِمال عند البدو أتى بعدها بفترة طويلة. فلم يكن للجِمال وجود هناك خلال تلك الحقبة".

وبعدما وصل إبراهيم إلى كنعان، يقال أنه قد سكن في مدينة الخليل. والقاعدة الصخرية للحرم الإبراهيمي التي لاتزال تشاهد تحت أسوار المبنى الذي شيده الحاكم الروماني هيرودوس تحتضن قبره.




وهذا مايقوله رئيس الحملة الآركيولوجية في المنطقة الدكتور آفي عوفر موضحاً الرأي العلمي الآركيولجي بخصوص إبراهيم وضريحه:

"... هذا المكان [مشيراً إلى الحرم الإبراهيمي] هو مقبرة هذه المدينة خلال الحقبة الكنعانية، وهي منبع التراث [المتناقل] عن إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وهو ليس [أي هذا التراث] تاريخي".

فهل توجد أي أدلة آركيولوجية تثبت وجود إبراهيم وعائلته؟ يجيب آفي عوفر على هذا السؤال بقوله:

"لايوجد إبراهيم تاريخي بالمعنى الدقيق، إنما هناك الإبراهيم التراثي الذي نقرأ عنه في الإنجيل والذي لايمت بصلة أبداً إلى التاريخ الحقيقي. إنما قد يكون هناك جد قديم للقبائل الموجودة هنا يسمى إبراهيم، ولكننا لانعرف أي شيئ عنه سوى إسمه".

ويضيف فينكلستاين قائلاً:

"ربما كان الآباء [إبراهيم وإسحاق ويعقوب] شخصيات حقيقية تحولت خلال العصور إلى شخصيات أسطورية، أو ربما هم شخصيات خرافية تماماً. نحن لانعرف، ومن المحتمل أننا لن نعرف [حقيقتهم] أبداً".

كما يضيف سيلبرمان رأيه عن إبراهيم بقوله:

"لقد وصلنا إلى طريق آركيولوجي مسدود فيما يتعلق بإبراهيم. فلاتوجد إي أدلة إطلاقاً تثبت أن إبراهيم شخصية تاريخية. ولكنه شخصية بارزة في سفر التكوين ... فما نراه [إذاً] في شخصية إبراهيم هو رمز يمثل ولادة أمة".


يتبع ...

هناك 3 تعليقات:

غير معرف يقول...

طيب والاعجاز العلمى فى القران ازاى الرسول عليه الصلاه والسلام عرف تكوين الكون والحجات الكتير الى بيكتشفها العلماء الوقتى وبنلقيها فى القران الكريم

Unknown يقول...

تحية كل من يحترم البحث العلمى اليك

راضي يقول...

إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام شخصيات حقيقية، كل ما في الأمر أنه تم تزوير جغرافية التوراة والإنجيل فليبحث العلماء عن أدلة أركيولوجية في مكان آخر محتمل كإيران وشرق الجزيرة العربية جهة عمان والإمارات وهكذا