الأحد، 5 فبراير 2012

حين يوهن الأساس ...

يتهاوى الإعتراض وتتداعى الحجة.



عندما نظرت إلى المرآة اليوم بعد إستيقاظي مبكراً كعادتي، لم يكن هناك مبرر للصدمة الصغيرة التي أصابتني عندما رأيت كيف تورمت عيناي واحمرّ بياضها واسودت جفونها، فقد كنت أعرف السبب:

السهر الطويل المتكرر، وخصوصاً إذا كان بدافع نقاش يسم البدن ويثير الإنفعال والتوتر ليعكر نوم الساعات القلائل مما تبقى من الليل. وأحد أسوء المواضيع التي تسبب توتر بيني وبين الأطراف المعارضة عند الدخول في هذه النوعية من الحوارات السجالية، والتي أنجر إليها دوماً رغم محاولاتي الحثيثة والعقيمة في تفاديها، هو موضوع التطور ... وتطور الإنسان بالذات.

لأن شبح التطور، يترصد للمؤمن بين كلمات كل مقالة تكتب أو نشرة تذاع في أخبار العلوم الطبيعية ليقلقه ويكدر عليه هناء سباته في أوهامه. ولهذا السبب تكرهه وتهاجمه الغالبية الكبرى ممن جرني سوء الحظ إلى النقاش معهم حوله. وخلال سهر الليالي الأخيرة الماضية الذي سبب تورم عيناي، كان هذا هو محور النقاش.

إنما التطور بحد ذاته ليس محور الكلام هنا، بل موضوع هذا البوست اليوم يتمحور حول صــلابــة الــقــاعــدة التي تنطلق منها مثل تلك الإعتراضات. وإليكم هذا المثال البسيط للتوضيح:

إذا زعم أحد بأن الإفراط في أكل التفاح يسبب مرض الأيدز، فبالطبع سوف أرفض تصديق هذا المزعم وسوف أعارضه. ولكن شرعية وصلابة رفضي ومعارضتي يجب أن يكون لها سند، وأفضل سند يمكن الحصول عليه هو قوة المعطيات العلمية التي تثبت بأن الأيدز لايتسبب من أكل التفاح، مهما أفرط الإنسان في أكله، إنما يسببه فايروس، وفي حالة واحدة فقط:عندما يدخل بواسطة العدوى في مجرى دم الإنسان.

ولكن ما لايجب أن أفعله هو معارضة المزعم لمجرد أنه لايعجبني، أو لأن عقلي لايستوعبه، أو لأنه ينافي مبادئي، أو .... لأن جدتي تعارضه!!

والإعتراض المبني على قاعدة دينية لايختلف في صلابته عن صلابة إعتراض الجدة.

فعندما يرفض المؤمن قبول حقيقة علمية كالتطور، فرفضه لها ينطلق بالأساس من عقيدته الدينية وليس من أي قاعدة أخرى، وإن تظاهر في حواراته مع الآخرين، وربما حتى بينه وبين نفسه، بأن إعتراضه يتركز على أساس علمي وليس ديني.

إنما القاعدة الدينية التي يبنى عليها أي إعتراض، إذا اعتبرنا أنها منظومة معرفية يمكن أن نستمد منها المعلومات (عن أصل الإنسان ونشأة الكون مثلاً)، فهي منظومة معرفية لايمكن أبداً الإعتماد عليها كمصدر يقاس عليه صحة أو خطأ فهمنا لما يجري حولنا، أو الأسوء، صحة المعلومات العلمية. وذلك لسببين:

أولاً، لأنها مبنية من أساسها على النقل الشفهي للمعلومات، على القيل والقال، على الإشاعات، قال هذا وقال ذاك. إشاعات مدعمة بأسلوب تهديدي توعيدي سافر يرغم الناس على قبولها: قال فلان كذا، صدقه وإلاَ.

وثانياً، أنها كمنظومة معرفية لاتخضع لأي منهجية أو معيار متفق عليه للوصول إلى الحقيقة، فتفاسير النصوص وصحة الأحاديث والتشريعات والأحكام والفتاوى، كلها مختلف عليها باختلاف الطوائف، ومختلف عليها حتى بين المرجعيات ضمن نفس الطائفة!!

فما يفعله المؤمن المعارض للحقائق العلمية كالتطور إذاً، هو رفض المنهج العلمي التجريبي المتفق عليه، والذي أثبت متانته وجدارته بالتجربة والمشاهدة، وبالتطبيقات التنكنلوجية التي نتجت عنه، والذي أوصلنا إلى حقيقة التطور، والتشبث بدلاً عنه بمنظومة معرفية ظهرت قبل عشرات القرون، تناقلتها الأجيال بالقيل والقال، لاتتفق على منهجيتها من تفاسير وأحكام وشرائع طائفتان، وتناقضها جميع الأدلة التجريبية.

* * * * * * * * *

هناك تعليقان (2):

just freedom freedom يقول...

الغلط انك تجادل وتحاور هذه الانواع من البشر

مالك الا تكبر المخده وتريح راسك وتنام
الشخص اللذي ينطلق بالحوار من قاعده تعصب ديني
يصعب اقناعلانه في حواره معاك. هو لايبحث عن الحقيقه
هو يعتقد جازما انه يمتلك الحقيقه اصلا كامله ويريد اقناعك انت بها

basees@bloggspot.com يقول...

عزيزتي كريزي إن فريدم ،،

ماتقترحيه هو نفس السياسة التي أتبعها مع من أعرف بأن الحوار معه غير مجدي. ولكن لايمكن تطبيقها في كل الحالات. فإذا أتاني ناس لاأعرفهم وجروني لحوار، يبدو على ظاهره بأنه رغبة صادقة للتوصل إلى الحقيقة، فلايمكن تجاهلهم، وإلاّ فسوف أكون قد أخفقت في مسعاي لمكافحة الجهل ونشر التوعية.

وفي بعض الحالات أنجح في إثارة التفكير إن لم يكن الإقناع، إنما الثمن لهذا الإنجاز يكون أحياناً باهض صحياً.

خالص المودة